عبدالله بن مسعود: عالم الصحابة

عبدالله بن مسعود: حياة أحد أعظم الصحابة

يُعتبر عبدالله بن مسعود رضي الله عنه من أبرز الصحابة الذين شهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بداية الدعوة الإسلامية ونشوء الأمة الإسلامية. عُرف بعلمه، وتقواه، وورعه، وفضله بين الصحابة. كان له دورٌ محوري في نشر الإسلام وتعليم الناس آيات القرآن الكريم، فضلاً عن تقواه وصبره في مواجهة التحديات التي واجهته في سبيل الدعوة.

نسبه وحياته المبكرة

ينحدر عبدالله بن مسعود من قبيلة هُذيل، وهي إحدى القبائل العربية المعروفة في مكة. وُلد في مكة المكرمة، وكان من أوائل الذين أسلموا في بداية الدعوة الإسلامية. على الرغم من كونه كان من الفقراء، إلا أن قلبه كان مفعماً بالإيمان والتقوى، وهو ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يختاره ليكون أحد المقربين منه. كان قبل الإسلام يرعى الغنم، وعاش حياة بسيطة، ولم يكن ينتمي إلى عائلة ذات مكانة عالية في مكة، لكن إيمانه العميق هو ما جعله يبرز بين الصحابة.

إسلامه ومواقفه البطولية

كان عبدالله بن مسعود من أوائل من آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أسلم وهو في سنٍ صغيرة، وكان عمره حوالي 17 عاماً عندما دخل الإسلام. كان في البداية يُخفي إيمانه خشية من اضطهاد قريش، ولكنه لم يلبث أن أعلن إسلامه بعد أن تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتوقف عن الدعوة إلى الحق. وقد شهد ابن مسعود ما عاناه المسلمون الأوائل من تعذيبٍ واضطهادٍ من قريش. كانت حياته شاهدة على معاناة المسلمين في مكة قبل الهجرة.

من أبرز مواقفه في بداية الإسلام، موقفه عندما قرر رفع صوته بالتوحيد في مكة أمام الكعبة، حيث قرأ آية من القرآن الكريم بصوتٍ عالٍ، وهو ما دفع المشركين للتهديد والوعيد. لكن ابن مسعود لم يُبالِ بتلك التهديدات، وأصر على إظهار إيمانه علانية، وكان ذلك من أفعال الشجاعة التي أظهرها في بداية الدعوة.

مكانته العلمية

كان عبدالله بن مسعود من كبار العلماء في الإسلام، وكان يُعتبر من أكثر الصحابة إلماماً بالقرآن الكريم. شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل القرآن، حيث قال: “من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أُنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد”. ولذلك كان يطلق عليه “المقرئ الأول” في الإسلام. كما كان له السبق في تفسير القرآن الكريم، وقد اشتهر بكونه صاحب دراية واسعة بالآيات القرآنية ومعانيها. كان يعتني بتفسير القرآن بكل دقة ويُفسر الآيات استنادًا إلى المعاني التي فهمها من النبي صلى الله عليه وسلم.

علمه في الحديث النبوي

لم يقتصر علم عبدالله بن مسعود على القرآن الكريم فحسب، بل كان له أيضًا علم كبير في الحديث النبوي الشريف. كان يُعتبر من أبرز رواة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى العديد من الأحاديث التي تتعلق بالعبادات والآداب والأحكام الإسلامية. من أبرز الأحاديث التي نقلها عن النبي صلى الله عليه وسلم هي الأحاديث التي تتعلق بكيفية الصلاة، والزكاة، والصيام، وغيرها من أركان الإسلام. يُعد حديثه عن الصلاة ومعرفة كيفية إقامتها في أشد الظروف من أهم ما رواه.

فقهه وحكمته

كان عبدالله بن مسعود من كبار فقهاء الصحابة، وكان يُستشار في المسائل الفقهية الكبرى، وله آراء فقهية كانت تُعتبر مرجعية لدى الكثير من الصحابة. وقد شهد له الصحابة بالعلم والحكمة في اجتهاداته الفقهية، حيث كان يرى في كثير من الأحيان أن الحكمة في المسائل الفقهية لا تأتي من التقليد، بل من النظر العميق في الكتاب والسنة.

كما كان يُظهر حكمة كبيرة في تعاملاته مع الناس، حيث كان يحرص على الإصلاح بين الناس ويعمل على نشر السلام بينهم. وقد عُرف عنه تفوقه في علم الفرائض ومواريث المسلمين. وقد قال في أحد مواقفه الشهيرة: “إذا أردت أن تعرف من هو العالم فينا، فاعرف من هو الأكثر دراية بالفرائض”.

حياته بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، استمر عبدالله بن مسعود في نشر العلم وتعليم المسلمين. كان من القادة البارزين في عصر الخلفاء الراشدين، وكان له دورٌ مهمٌ في مسألة جمع القرآن الكريم. فقد كان من الصحابة الذين شاركوا في جمع القرآن وتدوينه في عهد الخليفة أبي بكر الصديق، وكان من أبرز الذين ساعدوا في إتمام هذا المشروع العظيم.

كما كان له دور بارز في معركة “صفين” التي حدثت بين المسلمين والجيش الأموي بقيادة معاوية بن أبي سفيان. كان عبدالله بن مسعود يحث على التمسك بالحق وعدم الخضوع للفتن، وقد شهدت تلك الفترة العديد من المواقف التي أظهرت مدى حكمته وورعه في التعامل مع القضايا الكبيرة التي كانت تواجه الأمة الإسلامية.

وفاته

توفي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في السنة 32 هـ (653 م) في الكوفة، عن عمر يناهز 60 عامًا، وهو في أوج عطائه العلمي والروحاني. وقد ترك خلفه إرثًا عظيمًا من العلم والفضيلة، وظل ذكره حيًا بين المسلمين لأجيالٍ عديدة.

إن حياة عبدالله بن مسعود رضي الله عنه هي مثال حي على الجهاد في سبيل الله، والإخلاص، والعلم، والتقوى. لقد جمع في حياته بين الجهاد القتالي والجهاد العلمي، وكان له الدور الكبير في بناء الأمة الإسلامية. يبقى اسمه خالداً في تاريخ الأمة الإسلامية، ويُعتبر من أبرز شخصيات الصحابة الذين حملوا لواء العلم والدعوة، وتركوا أثراً عميقاً في الحضارة الإسلامية.